Saturday, February 6, 2010

معجم "عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ"


-

التعريف بالمؤلِّف
هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن محمد بن مسعود (1) المعروف بالسمين الحلبي ثم المصري الشافعي (2). \"تاريخ ولادته غير معروف، لكن المؤرخين يتفقون في سنة وفاته (756هـ) في القاهرة (3).

\"يجمع المؤرخون على أن نشأة هذا الرجل كانت في حلب، وقد اكتسب فيها لقبه (السمين)، ثم يذكرون أنه رحل إلى القاهرة، وأقام فيها بقية حياته، حتى إنه لم يعرف بـ(الحلبي)، وإنما أصبح (المصري).
ويبدو أنه حظي بمكانة بارزة في أثناء استقراره في مصر، فقد وَلِيَ تدريس القراءات والنحو بجامع ابن طولون، كما ولي نظر الأوقاف بالقاهرة، وناب عن بعض القضاة، كما أنه استلم التدريس في مسجد الشافعي، وتنقل في المدن المصرية؛ فرحل إلى أستاذه العشاب بالإسكندرية ليقرأ عليه الحروف.

ويذكر المؤرخون أن له باعاً طويلاً في علم القراءات حيث تولى تدريسها، ومن خلال قراءتنا في كتابه \"الدر المصون في علوم الكتاب المكنون\" نجد تعمقه فيها؛ متواترها وشاذّها؛ حتى لا يكاد تخفى عليه ضبطاً وتوجيهاً، وقد ترك كتاباً في هذا الفن باسم \"شرح الشاطبية\"؛ وصفه ابن الجزري بقوله: \"شرح لم يُسبق إلى مثله\". أما في التفسير فقد ألَّف فيه كتابين: الأول في عشرين مجلداً، والثاني في عشرة مجلدات. وهذا يكشف عن سعة ثقافته العلمية في هذا العلم. كما يشيرون إلى تعمقه في علمي الأصول والحديث؛ حيث إنه درَّس الأول في مساجد القاهرة, وأخذ الثاني عن رجاله. ويبدو أن الرجل قد فقه علوم العربية وتمثَّلها, وكتابه \"الدر المصون\" خير شاهد على ذلك (4)، وكذا كتابه الذي بين أيدينا \"عمدة الحفاظ\".

التعريف بالمؤلَّف

عنوان الكتاب:
عنوان الكتاب الكامل هو: \"عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ\". وقد أشار السمين إلى تسميته في مقدمته للكتاب (5) دون ذكر أي تعليل لهذه التسمية، أظن ذلك لسبب بسيط؛ هو كون العنوان اسماً على مسمى, واضح الدلالة؛ فالعمدة: ما عليه الاعتماد. وبالفعل فالكتاب يُعتمد عليه خير اعتماد فيما يخص معجم مفردات القرآن الكريم، لا غنى لعالم حافظ عنه فبالأحرى طالب علم.

منهجه:
\"بدأ المؤلف كتابه بفهرس دقيق للمواد التي تناولها في كتابه, وهذا الفهرس يدل على دقته وحسن تبويبه وتنظيمه. وذكر في خطبة الكتاب أنه رتب مواد كتابه على حروف المعجم, إلى أن ينتهي ذلك مع ما بعده, وهلم جرا إلى أن تنتهي حروف المعجم جميعاً. ويتابع القول عن منهجه في عرض المادة اللغوية: \"وإن عثرت على شاهد من نظم أو نثر أتيت به تكميلاً للفائدة, وإن كان في تصريفها بعض غموض أوضحته بعبارة سهلة إن شاء الله, وإن ذكر أهل التفسير اللفظة وفسَّروها بغير موضعها اللغوي كما قدمته تعرضت إليه أيضاً؛ لأنه والحالة هذه محط الفائدة\" (6).

وذكر في المقدمة أن الذين سبقوه إلى وضع التصانيف مثل الراغب في \"مفرداته\", والهروي في \"غريبه\", والسجستاني في \"غريبه\" لم يتمُّوا المقصود لاختصار عباراتهم. ورأى أن الراغب كان أفضل من كتب في هذا الموضوع, ولكنه مع ذلك أغفل في كتابه ألفاظاً كثيرة وردت في القرآن، ولم يوردها في \"مفرداته\", وذكر السمين بعض المواد التي غفل عنها الراغب.

وإذا ما قلَّبنا صفحات كتابه نجده في بعض المواد يفصِّل القول في قضية نحوية مثل حديثه عن (ما)؛ فقد تحدث عن أنواعها وشروطها, وكذلك الهمزة وغيرها.
وقد يقتضب القول ويحجم عن الإسهاب ويقول: \"ليس هذا موضع تحقيقه\", وذلك مثل ما ورد في حديثه عن (بئس) واتصال (ما) بها, وفي الحديث عن (إيا) يقول: \"وفي الكلمة كلام طويل حررته في غير هذا الكتاب\". وفي حديثه عن (إن) ومعانيها يقول: \"ليس هذا موضعها لضيق الزمان بتصريفها, لاسيما مع عسره\".

وأحياناً نجده يستفيض قليلاً, وذلك مثل مادة (لعل), (اللهم), (الإنسان)؛ فيذكر آراء أئمة النحو من المدرستين البصرية والكوفية, ويتضح لنا من خلال مناقشته للآراء النحوية حول هذه المسألة أو تلك أنه بصري المذهب.

ونجده في بعض المواد يذكر القراءات القرآنية لآية ما؛ فتارة يقتصر القول ويقول: \"قرئت بالكسر والفتح\" في مثل قوله تعالى {يا أبت}. وفي قوله تعالى:{أفمن أسَّس بنيانه} يقول: \"قرئت {أسَّس} بالبناء للفاعل والمفعول\". وقد يشبع القول في عرضه لقراءة ما, مثل قوله تعالى:{فصرهن إليك}، وقد أوردها في مادة (ص و ر), فيعرض أقوال الأئمة ويناقشها, ذاكراً الحجج التي تؤيد كل قراءة. وقد يحيل إلى أحد كتبه؛ ففي مادة (ض ر ر) بعدما ذكر قوله تعالى: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} نجده يقول: \"بيَّنَّا ذلك بياناً شافياً في \"القول الوجيز\"\".

وفي التفسير قد يحيل إلى أحد كتبه, ففي حديثه عن قوله تعالى: {ألم} يقول: \"للناس فيها أقوال كثيرة فصَّلتها في \"التفسير الكبير\" إلى نحو ثلاثين قولاً\".
ومن ناحية أخرى اهتم المؤلف بنسبة الشواهد الشعرية والنثرية إلى أصحابها, غير أنَّا بالتتبع الدقيق لما أورده؛ ثبت لنا أن المؤلف قد أورد بعض الشواهد منسوبة إلى غير أصحابها, أو غير منسوبة بتاتاً (7).

\"وكان يتناول فيه اللفظة القرآنية بالدرس والتفصيل, ويعرض استعمالها وتطورها مدعومة بالشواهد, فيقول مثلاً: مادة كذا, لها معاني كذا, وأصلها واستعمالها كذا, واعتمد على أصول الكلمة دون زوائدها\" (8).

القيمة العلمية للكتاب

أهمية الكتاب:
\"الكتاب في مضمونه معجم لغوي, والمعاجم العربية تمثل جهوداً مشتركة لعدة علماء, وليست هي مجهود فرد بحدِّ ذاته. ولابد لمن يضع معجماً من أن يكون عالماً وعارفاً بالمعاجم التي ألفت قبله، مع الإلمام بكتب اللغة وعلومها, ليستفيد منها, ويتابع فيها حيث توقف غيره, فيضيف إلى ما فات مَن سبقه. وقد أتقن السمين الحلبي الاستفادة من كتب التراث؛ فعرف كيف يجمع مادة كتابه ويرتبها, ليضعها بين أيدي المهتمين بهذا العلم.

وتبرز أهمية الكتاب في عدة جوانب, منها:

- اللهم: وهي المسألة (47) في \"الإنصاف\".
- الاسم: وهي المسألة الأولى في \"الإنصاف\".
- الإنسان: وهي المسألة السابعة في \"الإنصاف\".
- اللام في (لعل): وهي المسألة (26) في \"الإنصاف\".
- بعض الأسماء الخمسة: وهي المسألة الثانية في \"الإنصاف\".

وغير ذلك من القضايا النحوية التي دار خلاف حولها بين المدرستين البصرية والكوفية.


ملاحظات حول الكتاب:

يقول محمد باسل عيون السود: \"ذكر السمين في مقدمة كتابه أن الراغب أغفل في كتابه ألفاظاً كثيرة لم يتكلم عليها, ولا أشار في تصنيفه إليها, مع شدة الحاجة إلى معرفتها, وشرح معناها ولغتها, مع ذكره لمواد لم ترد في القرآن الكريم.

وبالقراءة المتأنية لكتاب \"عمدة الحفاظ\" وجدت أن ما ذكره السمين ينطبق عليه هو نفسه أيضاً, فقد فاته أن يذكر عدة مواد, ذكر بعضها الراغب, وغفل عنها الراغب والسمين وهذه المواد هي: توراة، جوف، دأب، دب، دبر، دثر، دحر، دحض، دحى، دخر، دخل، دخن، درأ، درج، درر، درس، درك، درهم، سلح، لدن، لذذ، مخض، مرأة، مرو، نمرق، هزل، هيأ. وقد فات المؤلف أن يذكر الأعلام الواردة في القرآن مثل: مريم، يسع، يثرب، يوسف.

ومع أن المؤلف قد أخذ على الراغب أنه يذكر موادّ لم ترد في القرآن الكريم, فإنه قد حذا حذوه في هذا الخطأ, فقد أورد مادة (غ ر ض) مع أن القرآن قد خلا من هذه المادة. وبالمقابل فإنه أورد مادة (س هـ ل)، (ر ع ب)، ولم يذكر لهما شاهداً من القرآن\" (11).

خاتمة
تبين لنا من خلال الحديث عن الكتاب موسوعية هذا الرجل, وباعه الكبير في شتى العلوم الإسلامية, خاصة العربية منها والقرائية، ليحتل بذلك المكانة المرموقة والعالية ضمن جهابذة علمائنا العظام. وإن كانت ثمة سلبيات في الكتاب, ذُكرت, وقف عليها النُّقاد الأفذاذ, فلا يعني هذا بتاتاً الإنقاص من قدر الرجل, ولو قيد أنملة, بل ذاك يضاف إلى سجل حسنات الرجال من باب \"كفى بالمرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبه\" و\"المجتهد إذا أخطأ له أجر\" فالكمال لله وحده, والعصمة لأنبيائه ورسله.
1- يجد طالب مفردات اللغة ضالَّته في هذا الكتاب؛ فهو يلتقي بتحليل مفصَّل لكلمات القرآن وأصولها واشتقاقاتها وتطورها واستعمالاتها. والكتاب يعين على جانب التفسير، وإن لم يكن يؤلف مرجعاً رئيساً فيه. 2- غناه بغريب الحديث؛ فكل مادة من مواد هذا المعجم غنية بغريب الحديث الذي يسوقه المؤلف لتأييد قضية لغوية. 3- غناه بشواهد العربية؛ فقد ضم حوالي (1900) شاهد شعري. حتى إننا نجد معظم الشواهد المتناثرة في كتب النحو قد احتواها \"عمدة الحفاظ\". كما أننا نجد الكثير من الأشعار النادرة التي لا نقف عليها في كتاب آخر وصل إلينا؛ مما يدل على سعة اطلاع المؤلف واهتمامه بتعزيز مذهبه أو الدفاع عنه. 4- غناه ببحوث النحو العربي؛ التي نجدها في كتاب \"الإنصاف في مسائل الخلاف\", مثل مسألة: 5- يتضمن الكتاب الكثير من الإشارات البلاغية, وهذا ما يعزز قيمة الكتاب؛ فقارئه يطمح إلى التعرف على سر التعبير القرآني واختياره المعين, والسمين وإن لم يكن مجلياً في هذا العلم, فإنه كان يقتبس نصوصاً بلاغية كثيرة, ولعل \"أساس البلاغة\" للزمخشري كان معيناً ثرياً لاستقاء شواهده الشعرية هذه\" (9).

No comments:

Post a Comment