Wednesday, December 8, 2010

الـمـعـجـم في الـلـغـة


غرّيد الشَّيخ محمّد في المعجم...
مكتبة تزخر باللّغة والصّرف والنّحو والإعراب والمصطلحات

نُشر في السنوات العشرين الأخيرة عدد من المعاجم يفوق ما صدر منذ نشوء الفنّ الطباعيّ في المشرق العربيّ. وأثبتت الأيّام أنّ ما استمرّ منها ـ وهو نادر جدًا ـ هو الذي اتّبع إمّا منهجًا جديدًا في التأليف، أو أضاف إلى الشروح أبحاثًا لغويّة وأبعادًا معرفيّة لم تُذكر عند سواه. وفي وسط هذه المعمعة أصدرت دار 'النخبة' عملاً للمولّفة غرّيد الشّيخ محمّد بعنوان 'المعجم' في اللّغة والنّحو والصرف والإعراب والمصطلحات العلمية والفلسفية والقانونية والحديثة، في ستة أجزاء تحتوي على 4672 صفحة.
لم تهدأ حركة طباعة المعاجم في المشرق ودول المغرب حتّى كاد كلّ ناشر يروم خوض هذا الميدان لأنه يرى فيه مصدرًا سهلاً لكسب المال والشهرة. وفي غمرة هذه الصناعة المعجمية التي أصبحت تجارة صرف، أطلّت علينا شبكات الإنترنت والأقراص المضغوطة، بطرائق سهلة الاستعمال، نستطيع من خلالها الاستغناء عن المعاجم المطبوعة.
سلبيّات
كدنا نفرح بهذه الفورة المعجمية إن طباعةً على الورق أو بثًا على شاشات الإنترنت لو أنها اتبعت النهج الصحيح في تأليف المعاجم، وحافظت على المعايير المستخدمة في هذا المجال. أما أن يتناول الناشرون و{المؤلّفون} هذا الموضوع الخطير بكل خفة طمعًا بالربح السريع والتوفير المادي، فذلك جريمة بحق اللغة ووصمة عارٍ على جبين من يتعاطاه.
بحثنا في الكثير من المعاجم الصادرة حديثًا، وتصفحنا بعضًا منها على الشاشات. ويا لهول ما طالعنا في الوسيلتين من أخطاء لا تُغتفر: أخطاء في المبنى وفي المعنى، في الصرف وفي النّحو، في الإملاء وفي الطباعة، وحتى في الترتيب الألفبائي.
كنا نعتقد ونحن على مقاعد الدراسة، أنّ المعجم معصوم عن الخطأ. فهو الكتاب الذي يلي الكتب المقدّسة ثقةً وتقديرًا، وهو المرجع النهائي للمعلم والطالب في بحثهما عن معنى المفردة ولفظها، وإذا بأيادي الجهلة تمتدّ الى هذا المرجع لتشوِّه بهاءه وتثبّت الخطأ في أذهان مريديه.
معجم حديث
في خضمّ هذه المعركة التي تفوح منها روائح الكسب والجهل وخيانة لغتنا وتراثنا، امتشقت غرّيد الشّيخ محمّد، بعزيمة لا تقهر، يراعها المتخصص في حقول اللغة، لتضع لنا معجمًا عربيًا ينفخ في حنايانا نسائم الأمل، {فيحافظ على سلامة اللّغة ويجعلها مواكبة تقدم العلوم والفنون، وملائمة في الوقت نفسه حاجات الحياة المعاصرة}.
فما الذي قامت به هذه المؤلّفة الجليلة التي اكتشفت من خلال أبحاثها خطورة الوضع المعجمي تأليفًا وطباعةً؟
تدلّنا كلمة الشكر في مستهلّ معجمها على أنها استعانت بفريق من خيرة المتخصصين في اللغة والعلوم والترجمة، وأنها لم تأل جهدًا في الإشراف على المراجعة والتصحيح اللغوي باعتمادها من لديهم الخبرة والكفاءة. وتعتبر هذه الخطوات أساسًا في الصرح الذي بنته على مدى عشر سنوات ونيّف.
تذكر غرّيد الشّيخ أنها تريد أن يأخذ معجمها مكانه بين المعاجم القيّمة لما فيه من ميزات وخواصّ. فهي بعد أن وضعت مع فريق عملها مخططًا لجمع الكلمات المستخدمة اليوم أكثر من غيرها وشرحها، تنبّهت الى أنه سيفتقر الى مفردات كثيرة {يحتاج إليها الطالب الجامعي كما يحتاج إليها من يريد قراءة القرآن الكريم والكتب التراثية القديمة والشّعر العربي}. عند ذلك ارتأت أنه ينبغي إيراد الألفاظ التي أهملها الغير في معاجمه، فتكون بذلك قد قامت {بخطوة تمكن هذا المعجم أن يكون بمستوى المعاجم القديمة من حيث غنى لغته، وسابقًا المعاجم الحديثة بالنسبة الى المصطلحات الحديثة التي نسمعها ونستخدمها في حديثنا اليوميّ بأخذها من لغاتها الأصلية}.
إضافة الى المنهاج الذي اعتمدته المؤلّفة في اختيار الموادّ التي تضمّ معظم ألفاظ اللغة العربية مع مختلف معانيها، فإنها أوجدت معاني لظواهر طبيعية كثيرة كان يتجنّبها أصحاب المعاجم بذكر كلمة {معروف} أمامها من دون أن يشرحوا مضامينها مثل كلمة {ماء} أو {دم}، فعرّفت هذه الألفاظ تعريفًا علميًا يستطيع الطالب وعالم اللّغة أو القانونيّ أو الفقيه العودة إليها.
ما يتميّز به المعجم أيضًا أنه يغني عن معاجم وكتب عدّة في الصرف والنحو والإعراب، إذ يستطيع الطالب أو القارئ الرجوع إليه لمعرفة ما يريده بالطريقة الأسهل. وفي ميدان العلم فقد غطّى عددًا كبيرًا من مصطلحاته، كذلك عاد في المادة الفلسفية الى المراجع المختصة لتفسير مصطلحاتها. وهكذا أيضًا في ميدان المصطلحات الحديثة في الاجتماع والفكر والأدب {التي نقرأ عنها يوميًا ونكاد لا نعرف أصولها ومعناها الحقيقي}.
بادرة خير
صدق من قال: {إنّ اللّغات التي لم يجار أربابها روح العصور اندثرت وماتت}. والعربية هذه اللغة الغنية القادرة على التكيّف كما أثبت تاريخها، قد جمدت جمودًا عجيبًا حيال التطور الحضاري الذي نشهده في عالمنا اليوم. إنّ لغة لها طواعية كاللغة العربية لا حدّ لها، ما كان لها أن تتخلّف أو تضعف أمام الحداثة، فالداء إذًا ليس في طبيعتها، بل الداء في القوّامين عليها الذين اتخذوا من التزمت موقفًا للتنصل من مسؤولياتهم تجاهها.
وعسى أن يأتي هذا {المعجم} بادرة خير، وفاتحة أعمال معجمية أخرى، وانطلاقة جديّة ومعاصرة في التأليف المعجمي العلمي والرصين، وليعلم كلّ من يقتني هذا {المعجم} أنه يقتني مكتبةً زاخرةً بموضوعات اللغة والصرف والنحو والإعراب والمصطلحات العلميّة وغيرها.

No comments:

Post a Comment