هو أحمد رضا إبراهيم بن حسين بن يوسف بن محمد رضا العاملي أبو العلاء بهاء الدين، أديب لبناني من كبار أدباء العربية في سوريا ولبنان، كاتب وشاعر، ناثر لغوي ضليع، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق، وأحد كبار علماء جبل عامل في النصف الأول من القرن العشرين، وهو أحد الثلاثة الذين انطلقت منهم النهضة العلمية والاجتماعية الحديثة: الشيخ أحمد عارف الزين صاحب مجلة العرفان اللبنانية والشيخ سليمان الظاهر صاحب كتاب(معجم قرى جبل عامل)، ويعتبر أحمد رضا من أركان رجال الإصلاح في جبل عامل من لبنان الجنوبي.
ولد أحمد رضا في مدينة النبطية(من بلاد جبل عامل) عام 1872م، وتعلّم في كتّاب البلدة أصول الخط، وقرأ القرآن وجوّده وفي الثامنة من عمره رحل إلى قرية أنصار لطلب العلم فيها على يد العلاّمة السيد حسن إبراهيم، فدرس فيها الصرف والنحو، عاد إلى النبطية ودخل مدرسة النبطية الرسمية، وتعلّم فيها مبادئ الحساب والجغرافيا. أكثر أحمد رضا من المطالعة والأخذ عن الشيوخ، حيث أخذ من علوم المعاني والبيان والنطق والطبيعيات الشيء الكثير على يد أستاذه السيد محمد إبراهيم. العالم الذي تميّز بالخبرة الواسعة والشمول في المعرفة، وتأثّر به أحمد تأثرًا واسعاً في شغفه بالعلوم العصرية والدراسات الفلسفية. ولفقدان المدارس التي تتيح له فرصة التزيّد من هذه العلوم، فقد بذل أحمد جهداً شديداً في اقتناء الكتب معلقا عليها شارحاً ما غَمُض منها حتى أدّى به ذلك إلى قصر البصر. كان انتشار الجهل يؤلمه، وفقدان المدارس في بلدته يَحُز في نفسه، فما كاد أحمد رضا يبلغ السابعة عشرة من عمره حتى وضع مع فريق من إخوانه حجر الأساس لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في النبطية، مستهدفاً بها تأسيس مدرسة أو أكثر، لتسهيل أسباب المعرفة أمام سكان بلدته، وقد استولى الأتراك على ممتلكات هذه الجمعية وألغوا رخصتها خلال الحرب العالمية الأولى، ثم هدمت تلك الممتلكات... ولكنه أعاد الكرّة بعد الحرب يؤازره إخوان له، فاستعاد للجمعية قوّتها حتى أصبحت لها ممتلكات كبيرة.
طُبع أحمد رضا على قول الشعر منذ كان صبياً، فكان شاعراً مجيداً، حساساً، سريع الاستجابة للانفعالات النفسية، وكان يتألم ويحزن من فقدان الوفاء وانتشار الظلم والتعسُّف، وكان يصور الأحاسيس والانفعالات تصويراً دقيقاً مميّزاً، وتميّز بشعره الوجداني والوطني والاجتماعي، ومن أعظم قصائده قصيدة (نهَجَ العلم صراط مستقيم).
درّس أحمد رضا في مدرسة الحميدية في النبطية، فكان يُلقي دروساً في النحو والصرف والمنطق والبيان، ويتلّقى بدوره من صاحب المدرسة العلامة السيد حسن يوسف مكّي دروساً في الفقه وأُصوله وعلم الكلام والفقه الاستدلالي سافر إلى الحجاز لاداء فريضة الحج سنة 1893م، مما ساهم في تأسيس محافل أدبية وعلميّة وجمعيات ذات أهداف سياسية من أجل توعية الناس ومحاربة التخلف والاستسلام لإقطاع العشائري والفقر والجهل وتمسُّكهم الأعمى بالتقليد، والتحق بالحركات التحريرية العربية واشترك في معترك السياسة العامة، فكان عضواً مسؤولاً في الجمعيات السرّية التي كانت تسعى إلى تحرير البلاد العربية من الحكم التركي.
لما حاول الأتراك القضاء على روح الدعوة إلى الإصلاح في بلاد العرب سنة(1915) ونُصبت المشانق في سورية ولبنان، كان الشيخ أحمد رضا من أوائل المعتقلين، ولبث نحو شهرين. يُحاكم في ديوان الحرب العسكري المعقود في جبل عالية في لبنان، وأجّل النظر في أَمره هو وبعض زملائه فأُفرج عنهم، عَكف أحمد في بلده على كُتُبه إلى أن كان الاحتلال الفرنسي عقب الحرب العالمية الأولى، فقاوم مقاومة شديدة بالغة فنكّل به وأُبعد عن بلده.
مثّل بلاده في عدة مؤتمرات سياسية وأدبية منها: الوحدة السورية، ومؤتمر الساحل، مؤتمر بلودان، ثم المؤتمر الإسلامي العام في القدس1931م، وانتخب عضواً فخرياً بلجنة دار الكتب في المسجد الأقصى، وأخيراً مؤتمر بيت مرّى الثقافي الذي عقدته جامعة الدول العربية.
انتُخب عضواً في المجمع العلمي بدمشق سنة 1920، فكلّفه المجّمع سنة 1930 بتأليف معجم يجمع فيه متن اللغة باختصار مفيد، وألحق به ما استحدث من الألفاظ والمصطلحات، مما يدل على كفاءته وقدرته الفائقة على الصبر في التمحيص والثبات في الجمع والعمق في الوعي اللغوي، وإدراك أسرار العربية يقول أحمد رضا:"فوضعت أمامي تاج العروس إلى جنب القاموس المحيط للشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أَبادي الشيرازي المتوفَى سنة(817هـ\1414م) إلى جانب لسان العرب، فكنت آخذ المادة فأطلعها في القاموس مدقّقاً بقدر الاستطاعة في شرحها في التاج، واختصرها في مسودة، ثم أعارضها بما في لسان العرب، والقاموس وشرحه التاج عيالان على لسان العرب كما لا يخفى، وأحرص في الاختصار أن لا أخرج عن مرادهم ومدلول كلامهم، ثم أنظر بعد ذلك في كتاب أساس اللغة للزمخشري، وفي مختار الصحاح للرازي، وفي المصباح المنير للفيّومي، وبعد ذلك كله اثبت ما استخرجه في موضعه من كتابي هذا، على أنني فيما أنقله من هذه الكتب الخمسة لا أُنَبّه إلى اسم الكتاب المنقول عنه، وأمّا ما أنقله عن غيره فإنّي أنَبّه إليه وإلى اسم الكتاب".
كان عمله في هذا المعجم قد تمّ سنة 1947، بعد إخلاص وجهد مستمر، حيث أعاد الكرّة فكان يُصحِّح ويضبُط مرات كثيرة، حتى أصبح المعجم معداً للطبع والإخراج، وأسماه معجم (متن اللغة).
كذلك عني الشيخ أحمد رضا بالعامي فردّه إلى الفصيح، وأفرد ذلك في كتاب خاص سماه(رد العامي إلى الفصيح) إذ كان وهو يعمل في تأليف معجمه(متن اللغة) يعرض لذهنه كلمات عامية فيها معنى الفصيح الذي يُدوَّنه فيكتب الكلمة العامية في هامش الصفحة، وهذا الكتاب جديد في أسلوبه، وله قيمة وأثر كبير في تأليف المعجمات فلقد عثر أحمد رضا على الكلمات التي يستعملها العامة ويعرض عنها الخاصة ظنّاً بأنّها مولّدة أو دخيلة لا تمت بنسب أو سبب بالفصحى يقول أحمد رضا:"كنت وما زلت أجد كثيراً من العامي الذي يمكن ردّه إلى الفصيح، وأُحسن تحريف الفصيح في الكلام العامي، فتتوق نفسي إلى ولوج باب البحث فيه، فأقدمتُ بعد إحجام لصعوبة البحث ووعورة الطريق، وعنيتُ به، وفتحتُ الباب للمحققين بما أقدمت عليه بقدر المستطاع، وبقدر ما وصل إليه علمي وبحثي من جذبة إلى الفصيح، وتطبيقه عليه، وقد يكون المأخذ قريباً سهلاً، وقد يكون بعيداً يحتاج إلى شيء من التكلّف، وقد تكون الكلمة دخيلة من الآرامية أو الفارسية أو غيرهما، ومهما تيسّر لي ردّها إلى أَصل عربي كان عندي أولى من حملها على أَصل غير عربي، واعتبارها دخيلة، ما دام لي مجال لإلحاقها بالمادة العربية".
كانت لأحمد رضا مشاركات واسعة في مختلف النشاطات السياسية والثقافية والاجتماعية أَصابه حجر طائش في أثناء مظاهرة انتخابية في النبطية، فحُمل إلى منزله فلم يكد يصل حتى فارق الحياة في سنة 1953م.